Wednesday, January 28, 2009



انخفاض توزيع صحيفة هاارتس بسبب كاتب حقوقي يدافع عن الفلسطينيين

تهديد مذيعة القناة الثانية بالفصل من العمل لبكائها على الأطفال الشهداء

محمد عبود

الفقرات الثلاثة التالية كادت تودي بحياة كاتبهم، وما زالت تهدد مستقبله، وتنذر بقطع عيشه. كما تسببت في انخفاض توزيع صحيفة هاارتس العبرية: 1- )الحرب الإسرائيلية في غزة مفزعة ومثيرة للقشعريرة. فالجيش الإسرائيلي يزرع أرض غزة بالقتل والدمار..وما فعله هذا الجيش في ساعة، لم تفعله كل صواريخ القسام التي أطلقت على إسرائيل طوال السنوات الماضية). 2- (ما حدث في غزة هو جريمة حرب وحماقة دولة. ومن سخرية التاريخ المريرة : أن الحكومة التي شنت بعد شهرين من تشكيلها حربا فظيعة وغير مبررة (يقصد العدوان على لبنان). تشن حرب بائسة أخرى قبل شهرين من انتهاء ولايتها!).
3- (ردود فعل إسرائيل وعملية "الرصاص المصهور" تتجاوز كل الخطوط الحمراء الإنسانية والأخلاقية والقانونية على المستوى الدولي. وتتجاوز حدود الحكمة).


هذا المنطق الانساني والعقلاني الذي يكتب به المحلل السياسي جدعون ليفي جعله عرضة للتشهير والتهديد بالقتل من القراء الإسرائيليين الذين نظموا حملة مقاطعة لصحيفة هاارتس حتى تخضع لمطالبهم بإقالته لأنه يعترف بأن ما يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة هو جريمة حرب.



الصحفي جدعون ليفي

هاارتس لم تفصل جدعون محررها، لكنها ضيقت عليه، وسمحت بردود فعل عنيفة مكتوبة ضده. وشرعت في استكتاب عدد من الشخصيات اليمينية للهروب من فخ انخفاض التوزيع! وفي هذه الأثناء لا يتوقع المراقبون للساحة الإعلامية في إسرائيل أن يواصل هذا الصحفي الإسرائيلي عمله بسهولة في إسرائيل التي تنحرف يمينا بسرعة الضوء.
"جدعون ليفي" مواليد 1955، ويعمل بجريدة هاارتس منذ سنوات طويلة. واشتهر بكونه محللا سياسيا من طراز رفيع مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين لضمه إلى طاقم المفاوضات الذي شارك في إعداد اتفاقيات أوسلو. وليفي صاحب باع كبير في متابعة الشئون الفلسطينية. ودائما يصف القراء الإسرائيليون كتاباته باللاذعة لأنها تقول لرجال السياسة الإسرائيليين ما يرفضون سماعه. ولأنه ينبه، دائما، إلى أن لغة القوة التي تلجأ لها إسرائيل لن تؤدي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

نجاح جدعون ليفي في عالم الكتابة الصحفية أهله لتقديم برنامج سياسي في التليفزيون الإسرائيلي، نهاية التسعينيات، استضاف خلاله ايهود باراك. وسأله ماذا كان سيفعل لو ولد لعائلة فلسطينية؟ وجاءت إجابة باراك مفاجئة: "لو كنت فلسطينيا..كنت سأنضم، في السن المناسبة، لإحدى منظمات المقاومة الفلسطينية".
تاريخ هذا الصحفي الإسرائيلي ونجاحه في التسعينيات لم يشفع له، وأصبح عبئا على الرأي العام الإسرائيلي الذي يطالب بطرده من عمله في صحيفة هاارتس منذ سنوات. بحجة أنه يكتب مقالات متعاطفة مع العدو الفلسطيني.
كتابات جدعون ليفي بكل تأكيد ليست متعاطفة مع الفلسطينيين، لكنها كتابات عقلانية في زمن ترفع فيه الصحافة الإسرائيلية شعار: "لا صوت يعلو على صوت المعركة".لذلك زادت حدة الهجوم على جدعون ليفي منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وتعرض لإهانات بالغة في معظم الصحف الإسرائيلية المنافسة، وعلى صفحات جريدته بسبب مقالاته المنددة بالعدوان غير المتكافئ ضد الفلسطينيين.


المثير في الأمر أن النخبة الإسرائيلية التي كانت تحتمل كتابات جدعون ليفي فيما مضى، باعتبارها وسيلة لإظهار إسرائيل كدولة ديمقراطية تحتمل النقد، لم تعد تحتمل مثل هذا النقد. فإسرائيل لم تعد في حاجة إلى "لاويين- לוים" أو كهنة يرشدونها للطريق المستقيم. وفي استجابة لمشاعر القطيع، اضطرت صحيفة هاارتس لنشر مقال ساخط للأديب الإسرائيلي أ.ب. يهوشواع المحسوب على اليسار الإسرائيلي، يهاجم فيه ليفي. ويناصر العدوان على غزة.
يقول الأديب الإسرائيلي: (أسالك لماذا لا تذهب للمستشفيات الإسرائيلية أيضا؟ ولماذا لا تكتب عن حكايات المواطنين الإسرائيليين المؤلمة الذين سقطوا ضحية للأعمال الإرهابية؟ لماذا لم تنعت قادة حماس "بمجرمي حرب" كما وصفت مؤخرا قادة إسرائيل؟ لماذا تبرر إطلاق الصواريخ من غزة، وتقول إنهم يريدون منا أن نفتح المعابر؟ لو كنت تحرص حقا على الأطفال، أطفالنا وأطفالهم، لتفهمت العملية الحربية الحالية، التي ترمي إلى اقناع حماس بالطريقة الوحيدة التي تفهمها).


الأديب أ.ب. يهوشواع

الهجوم على الصحفي والحقوقي جدعون ليفي هذه الأيام يعبر عن المناخ العام السائد في إسرائيل منذ سنوات. المناخ الذي اضطر الصحف العبرية أثناء العدوان على غزة للقبول بأوامر الجيش الإسرائيلي بحظر النشر عن العدوان الإسرائيلي على غزة من وجهة نظر غير رسمية، كما قبلت الصحف الكبرى الثلاث يديعوت أحرونوت ومعاريف وهاارتس بالمحرر العسكري "رون بن يشاي" كمراسل عسكري وحيد اعتمده الجيش الإسرائيلي. يكتب تقريره ويتم تنشره في جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية بالتزامن. وذلك تفاديا لغضب الرقيب العسكري. وأصبح شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة".. هو المبدأ الذي تبنته الصحافة العبرية طيلة أيام العدوان على قطاع غزة. تلك الصحافة التي تفخر دائما بأنها تمارس الرقابة على الحكومة الإسرائيلية، وبأنها استطاعت فتح الكثير من ملفات الفساد التي أدت في نهاية المطاف إلى استقالة العديد من الوزراء وإسقاط حكومات. لكنها لم تصمد في اختبار تغطية العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة.واختارت أن تكون "صحافة مجندة"، ترتدي البزة الكاكي، وتسير خلف القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية في تغطيتها.

فعلى مدار 22 يوما استغرقها العدوان الإسرائيلي على القطاع، لم تنشر صحيفة عبرية صورة واحدة للشهداء الفلسطينيين. أكثر من 1300 شهيد لم يتمكن أي منهم من التسلل لصفحات الجرائد العبرية التي كانت تفضل الاكتفاء بصور الجنود الإسرائيليين يرتلون الصلوات اليهودية بجوار المدافع ومعدات الحرب.لم تنشر صحيفة إسرائيلية صورة لمسجد قصفته الطائرات الحربية الإسرائيلية. ولم تنشر صورة لمصاب فلسطيني طالته القنابل الفسفورية.
حتى محررو الأخبار يبدو وكأنهم تلقوا الأمر العسكري رقم "8" وهو الأمر الذي بموجبه يلتزم جنود الاحتياط بالانضمام للمعركة. فجاءت عناوين التغطيات الخبرية منحازة دائما. تتحدث عن إصابة جندي إسرائيلي، وتنسى مقتل مائة شهيد فلسطيني في نفس اليوم.

قد تكون مسألة عادية في دولة نازية. لكنها بالتأكيد ليست مسألة يمكن أن تمر مرور الكرام في دولة تدعي صباح ومساء أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط.
هذه المعادلة لم يختبرها جدعون ليفي فقط، بل ذاقت مراراتها أيضا "يونيت ليفي" المذيعة التي تقدم النشرة الرئيسية بالقناة الثانية الإسرائيلية. "يونيت ليفي" ذات الوجه الطفولي شقت طريقها بسرعة إلى قلوب الإسرائيليين عبر شاشة التليفزيون. تمرست في قراءة النشرات، وتغطية الأحداث السياسية حتى أطاحت بأشهر مقدمي النشرات في إسرائيل "جادي سكونيك". وصارت المذيعة الرئيسية في القناة الثانية التي يعهد إليها بتغطية حرب تموز 2006. وبإجراء أول حوار لصالح التليفزيون الإسرائيلي مع الرئيس الأمريكي (السابق) جورج بوش.


لا تعليق

بسرعة البرق أصبحت يونيت ليفي فتاة إسرائيل المدللة..تشارك في الأعمال الدرامية: مسلسلات وأفلام. وتستضيفها الجمعيات النسائية باعتبارها رمز لتحقق المرأة. فهي التي سبقت "تسيبي ليفني" في تثبيت أقدامها على مسرح الحياة السياسية والعامة بإسرائيل.

لكن كل هذا الرصيد لم يشفع للآنسة ليفي عندما بكت على الهواء مباشرة أثناء عرض مشاهد القصف في غزة، وصور الأطفال الفلسطينيين الممدين في الشوارع بين شهيد وجريح. قبل أن تجف دموع "يونيت"، واسمها بالعربية يعني: "الحمامة الصغيرة". انطلقت حملة شعبية شرسة ضدها. واتخذت الحملة أشكالا عديدة بدأت بتوقيع عريضة لطردها من عملها، ثم تقديم شكاوى ضدها للجهة التي تعمل لديها.

تفاصيل جريمة "يونيت ليفي"، من وجهة النظر الإسرائيلية، بدأت في اليوم الثالث للعدوان على غزة. فأثناء نشرة الثامنة مساء بالقناة الثانية الإسرائيلية، قالت يونيت في نهاية النشرة "من الصعب إقناع العالم بأن الحرب عادلة عندما يموت لدينا شخص واحد بينما يموت من الفلسطينيين أكثر من 350 شخصا".

وعقب كلامها، أطلقت امرأة إسرائيلية عريضة للتنديد بها، واتهامها بأنها "معادية للصهيونية ومتعاطفة مع العدو" والدعوة لطردها من عملها. وكان الهدف من العريضة الحصول على 10 آلاف توقيع، لكن بعد أقل من أسبوعين على إطلاقها وقع عليها 34 ألف شخص، واستمرت التوقيعات، مما دفع صاحبتها لإيقافها لأنها لم تتمكن من ضبط التواقيع كما تقول.

وقالت وكالة "ناشونال نيوز" الإسرائيلية إن المذيعة واجهت انتقادات أيضا داخل القناة الثانية نفسها؛ حيث اعتبر البعض أنها "تضعف الشعور القومي"، من خلال إجرائها مقابلات متعاطفة مع سكان غزة، سألتهم فيها عن الإصابات بين المدنيين هناك. وتضيف الوكالة أن حملة الانتقادات المترافقة مع العريضة دفعت المذيعة ليفي لمزيد من "ردود الفعل العاطفية" تجاه غزة، وذلك عندما أنهت نشرت الثامنة مساء يوم 6 يناير بالبكاء على ضحايا غزة من المدنيين.



يونيت ليفي

لكن الحملة اشتدت أكثر. وتقدم عدد من الأشخاص بشكاوى ضدها في مقر عملها، وكتب أحدهم في شكواه: "شاهدت نشرة الثامنة ومقدمتها يونيت ليفي، وفي نهاية النشرة قالت إنه من الصعب أن نقنع العالم أن الحرب عادلة عندما يموت لدينا شخص واحد بينما يموت من الفلسطينيين أكثر من 350 شخصا".

وتابع صاحب الشكوى "أتساءل وأنا والد جندي كيف أرسله للقتال إلى هناك في وقت أسمع فيه كلاما أن الحرب غير عادلة، وأيضا في وقت تبث فيه القنوات الفضائية في إسرائيل أخبارا عن مظاهرات طلاب ضد الحرب ؟".

صحيفة "معاريف" اهتمت بالحملة على يونيت ليفي وذكرت إن حملة الاحتجاجات ضد المذيعة ليفي أدت لنقاشات داخل القناة الثانية انتهت إلى تحذير المذيعة ومطالبتها بالانتباه لما تقوله. ونقلت عن محرر النشرة المسائية، غاي سادري، قوله "نحن لسنا من الأمم المتحدة.. نحن إسرائيليون وكلنا وطنيون".



افيجدور دوبرمان
ما حدث لجدعون ليفي ويونيت ليفي دليل حي على التطرف والعنف السائد في المجتمع الإسرائيلي. ذلك التطرف الذي يعد الزعيم الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان بستة عشر مقعد في الانتخابات القادمة، وذلك حسب آخر استطلاعات الرأي المعتمدة في إسرائيل. ستة عشر مقعد تضمن للدب الروسي ليبرمان منصبا وزاريا مهما، ربما وزير دفاع أو خارجية أو مالية لو أفلت من التهم المالية المنسوبة إليه. هكذا يرفعه الجمهور الإسرائيلي في هذه الاستطلاعات لأعلى المناصب وأخطرها، رغم تطرفه الشديد، وتصريحاته الجنونية التي هدد فيها بقصف السد العالي، وترحيل عرب 48، وغبادة أكبر عدد ممكن من العرب، ناهيك عن محاولاته المستمرة لـ"جر شكل" القاهرة. وهي أمور معروفة في إسرائيل، ويدركها الناخب الإسرائيلي بدون مواربة. لكن المشكلة أن المجتمع الإسرائيلي اليوم تحول إلى مجتمع عسكري يبحث عن الأصوات العاقلة لكتمها، وإسكاتها. ويفسح الطريق أمام ليبرمان ورفاقه لإشعال المنطقة بقذائف الحرب.

eXTReMe Tracker